الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٥٦ مساءً

النفحة 15.. في القضاء والقدر

جلال الدوسري
الخميس ، ٢٥ يوليو ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
- إعلم أن كل ما يجري في الكون من حركة وسكون وخير وشر ونفع وضر وكفر وطاعة ومعصية ، فكل بقضاء الله وقدره.. وأن كل ما قضاه الله وقدره فهو كائن لا محالة ، كما أن ما في علم الله تعالى أن يكون فهو كائن..

وما قدر الله وصوله إليك بعد الطلب فهو لا يصل إليك إلا بالطلب ، والطلب أيضاً من القدر فإن تعسر شيء فبتقديره ، وإن اتفق شيء فبتيسيره.. فمن رام أمراً من الأمور ليس الطريق في تحصيله أن يغلق بابه عليه ويفوض أمره لربه، وينتظر حصول ذلك الأمر ، بل الطريق أن يشرع في طلبه على الوجه الذي شرعه الله له فيه.

- وقد ظاهر النبي صلى الله عليه وسلم بين درعين ، واتخذ خندقاً حول المدينة في غزوة الخندق ، وأقام الرماة يوم أحد ، وكان يلبس لأمة الحرب ويهيئ الجيوش ويأمرهم وينهاهم لما فيه من مصالحهم ، واسترقى وأمر بالرقية ، وتداوى وأمر بالمداواة ، وقال : ( الذي أنزل الداء أنزل الدواء ) ، وقال : ( اعقلها وتوكل ).. وقد أمرنا بالكسب والتسبب .. والله تعالى قال لمريم : ( وهزي إليك بجذع النخلة تُساقط عليك رُطباً جنيا )مريم: 25.. وأنشد شاعر:
ألم ترَ أن الله قال لمريم .. وهزي إليك الجذع يسَّاقط الرطب.
ولو شاءُ أن تجنيه من غير هزها .. جنته ولكن كل شيء له سبب.

- والرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ) ، فلم يحمل أرزاقها إليها في أوكارها بل ألهمها طلبه بالغدو والرواح..

- فالقدر سببه الطلب ، والطلب سببه القدر ، وكل واحد منهما معين لصاحبه..

- ولما قتل كسرى بزرجمهر وجد في منطقته كتاب فيه : إذا كان القضاء حقا فالحرص باطل ، وإذا كان الغدر في الناس طباعاً فالثقة بكل أحد عجز ، وإذا كان الموت بكل أحد نازلاً فالطمأنينة إلى الدنيا حمق..

- وقال ابن عباس وجعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى : ( وكان تحته كنزٌ لهما )الكهف:82. إنما كان الكنز لوحاً من ذهب مكتوب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، عجبت لمن يوقن بالقدر كيف يحزن ، وعجبت لمن يوقن بالرزق كيف ينصب ، وعجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح ، وعجبت لمن يوقن بالحساب كيف يغفل ، وعجبت لمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله..

- ومن الشعر؛
إذا كان سعدُ المرء في الدهر مقبلاً .. تدانت له الأشياءُ من كل جانب.
وقال كعب بن زهير:
لو كنت أعجب من شيء لأعجبني .. سعي الفتى وهو مخبوءٌ له القدرُ.
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها .. والنفس واحدةٌ والهم منتشرُ.
والمرءُ ما عاش ممدودٌ له أملٌ .. لا ينتهي ذاك حتى ينتهي العمرُ.

- اللهم إنا آمنا بك وبقضاءك وقدرك خيره وشر ، ونؤمن أن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا ، وكل شيء عندك بحسبان ، سبحانك لا إله إلا أنت ، نسألك أن تبعد عن شرّ ما قضيت ، ولا نسألك ردّ القضاء ولكن نسألك اللطف فيه إنك على كل شيء قدير ، وأنت نعم المولى ونعم النصير..

- وصلي اللهم وسلم وبارك على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين ، محمد بن عبدالله ، وعلى آله وصحبه أجمعين..