الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٣٩ صباحاً

البلد مش ناقصة مشايخ

وليد تاج الدين
الأحد ، ٢٩ ابريل ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ مساءً
العالم يستثمر أمواله في تنمية شبابه وبنيته التحتية وتطوير التعليم ودعم البحث العلمي ونحن نستثمر أمولنا في تنمية شيوخنا وبنيتنا القبلية, لسنا ندري ما هو المردود المتوقع من منح المليارات لهذه الفئة دون غيرها من أبناء الوطن الجياع, هل نحن أغبياء لا ندري حجم المردودات التي ستعود على خزينة الدولة من قبل هؤلاء ليستفيد منها المعدمين أم أن حكومتنا هي الأكثر غباء والتي تنفق أموال الشعب فيما لا مردود منه.

إخلال بمبادئ المساواة والمدنية والعدالة أن يتم منح فئة من اليمنيين ميزانية خيالية تحت إطار ما يسمى مصلحة شئون القبايل التي ولدت دون أن تكمل نموها القانوني وأصبحت تمتلك ميزانية ضخمة بالمليارات في وقت البلد فيه بأمس الحاجة لإصلاح وبناء منظومة التعليم ودعم مجال الدراسات والبحث العلمي لحل مشكلات البلد.

هل ستفيد المواطن البسيط ميزانية الشيوخ وتؤدي لتخفيف البطالة أو إصلاح شبكة كهرباء حديثة أو تطوير التعليم والبحث العلمي أو التأمين الصحي للفقراء وذوي الدخل المحدود أو كفالة اليتيم أو تزويج الشباب أو بناء البلد اقتصاديا وصناعيا وإيجاد الحلول العلمية لمشاكله, ليتنا ندرك ما هو المردود الحقيقي من مصلحة القبايل ومن ملياراتها هل تزيد البلد إلا غوغائية وتكاثر للسيارات المخالفة والمليئة بالمسلحين في شوارع المدن.

فكرة أن تنفق الدولة على المشايخ هي فكرة استفزازية لكل معاني المواطنة المتساوية والدولة المدنية الحديثة ولا تتناسب سوى مع نظام حكم قبلي أو مشيخي يجعل القبيلة هي السلطة ويجعل الشيخ هو السلطان وتصبح الحكومة جندي عكفه بيد القبيلة وهذا احد أخطاء نظام صالح الذي حول الدولة إلى جمعية لرعاية وتأهيل القبايل وجعل منتهى طموحات العابثين بطاقة مشيخ واعتماد من الدولة ومسلحين من خلفهم وسيارات آخر موديل معكسه بدون لوحات أو بلوحات حكومية وأبوابها مفتحة لا تجد سوى فوهات البنادق تداعب جنود المرور وسائقي الباصات في عواصم المحافظات وكل هذا من مال المواطن وتكونت لنا بذلك فئة هامشية تبحث عن الوجود في وهم العظمة وترسم أحلاما في حلقات الماضي الذي أصر نظام الاستبداد على توفيره كواقع عصري فرضه على الشعب وساند انتشاره وبارك كل نتائجه.

فعلى مدى العقود الماضية تشكلت تحالفات ما بين رأس النظام وشيوخ القبايل وأصبحا هم الطرفان اللاعبان ولم يعد للمواطن أي تأثير خاصة أن شيوخ القبايل استطاعوا إلجام الناس وفرض رغباتهم عبر استخدام ورقة النظام الذي كان يؤيدهم طالما هم في صفه, كما أيضا استخدم النظام شيوخ القبيلة لتنفيذ توجهاته وإخضاع الناس له بعدة وسائل وهذا ما شوه صورة المشايخ وجعلهم اقرب إلى النظام منه إلى المواطن العادي وتشارك الطرفان في تقاسم الفساد حتى أصبحت القبيلة من أدوات الفساد تماما كما كان النظام وأصبحت تمارس التقطع والنهب والإرهاب جراء هذا التحالف.

ليس أمام الحكومة الآن إلا خيارين فإما ضم كافة أبناء الشعب إلى عضوية هذه المصلحة وإعادة ترتيبها قانونيا ومن ثم توزيع ميزانيتها ونفوذها عليهم بالتساوي وتحويل اسم الجمهورية اليمنية إلى "الجمهورية القبلية اليمنية" أو تحويل مصلحة شئون القبائل إلى مؤسسة منتجه ترفد خزينة الدولة من عرق وجهد وإبداع مشايخنا وأتباعهم ومؤيدوهم حتى نتعلم منهم كيف نكون منتجين ونعيد حصيلة ما تنفقه الدولة علينا لكي نتحول لشعب منتج وليس مستهلك والسماح لأي من أفراد المجتمع بالانتماء لها وفق قواعد تكفل المساواة للجميع.

لا نريد مسخ القبيلة أو تمييعها أو إلغائها نريد فقط منها أن تمارس دورها الاجتماعي بممارسة والحفاظ على ما تبقى من محاسنها وفضائل عاداتها التي توارثها الأجداد, فلم تكن القبيلة في الماضي إلا عنوانا للمروءة والكرم وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم, لم يكن شيوخ القبيلة إلا أفاضل الناس وأتقاهم وأكثرهم حكمة ومروءة وحلما, لم يكونوا طلاب سلطة أو عبيدا للمال أو ناهبين للثروات أو سجانين للناس, فهل واقع القبيلة وشخصيات المشايخ في عصرنا هذا هو النموذج المأمول الذي من خلاله سنواكب المتغيرات للحاق بالعالم والخروج من دائرة الفقر والجهل والمرض الذي هدفت إليه ثوراتنا قبل عشرات السنين وكبلته قبيلتنا ومشيختنا كل هذا الوقت وهل القبيلة وشيوخها هم الأداة المناسبة للبناء الاقتصادي والعلمي والثقافي, ولذا فنحن مع إعادة صياغة مفهوم القبيلة ولسنا مع القضاء عليها فلا تزال تمتلك الكثير من الايجابيات رغم كل هذا.