السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٢١ صباحاً

الخطاب العقيم وعجزه عن تقديم حلول لمشاكلنا

محمد علي وهان
الجمعة ، ٢٥ اكتوبر ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
الخطاب العقيم، والمحدود والضيق، والعدواني الرافض للآخر، هو العامل الرئيس في عجزنا عن إيجاد حلول للمشكلات المتعددة التي نعيشها.

عند تحليلنا للخطاب السياسي والثقافي السائد لدينا منذ زمن طويل على الأقل نكتشف بسهولة أنه خطاب يكتفي بالتشخيص دون العلاج
ويغوص في الجزئيات دون التعرف على الأبعاد الكلية والاستراتيجية ناهيك عن الاستشرافية والمستقبلية يدير ظهره للمستقبل ويغرق في مجابهة الحاضر بالماضي.

لذا فهو خطاب بدل أن يمكننا من حلول متعددة نواجه بها ما ينتظرنا من مشكلات يغوص بنا أكثر في تعقيدات الحاضر وتشكيكات الماضي
نادرا ما نسمع حديثا عن الآفاق عن الغد .

وإذا ما طُرح السؤال الذي ينبغي أن يُطرح: ما العمل؟ وقد حدث ما حدث ويحدث ما يحدث، نادرا ما نجد الجواب
الخطاب السائد إما مُكيف بصيغة الحاضر، أو مطروح في صيغة الماضي، وكل القدرات التعبيرية، وكل الشجاعة الأدبية تجدها تقف عند هذا المستوى.

سياسيون ، برلمانيون، مسؤولو الجهاز التنفيذي، وزراء، رؤساء حكومات لم يتمكنوا بعد من الخروج من هذا الطرح الضيق، وقلّما تجدهم يتجاوزون إطاره الضيق في حين أن العكس هو المطلوب، أو هكذا ينبغي أن يكون
إننا سنكتب المجلدات ونحن نتكلم عن ماضي وحاضر العدالة السيئ مثلا، أو ماضي وحاضر التعليم السيئ أو الصحة أو الصناعة أو الدبلوماسية أو غيرها من القطاعات، ولكننا لن نحقق أي تقدم إذا لم تكن لدينا القدرة على تقديم البدائل المثلى للمستقبل، وعادة ما يكمن عجزنا في هذا المستوى، ويتعمق هذا العجز إلى أن يصبح الخطاب لدينا خال من أية فكرة حية ذات فعالية في المستقبل
هل عجزنا عن إيجاد نائب أو وزير أو مسؤول تنفيذي أو حتى رئيس دولة غير قادر على النقد، وتشريح الحاضر، والنيل من كل حقيقة طُرحت في الماضي حتى وإن كانت تبدو بديهية لا غبار عليها؟. بالعكس لقد لاحظنا أن مقياس تفوق خطاب هذا أو ذاك هو بقدر ما يستطيع النيل من الماضي والحاضر، وأحيانا يُسعدنا ذلك، بل لا نميل أبدا إلى سماع من يحدثنا عن المستقل عن الآفاق.

إن مزاجنا أصبح أكثر قابلية للانتقام منه إلى الصفح، وطبيعتنا أصبحت أقرب إلى التحطيم منها إلى البناء، وتقييمنا لخطابات الأشخاص إنما يتم في الغالب انطلاقا من قدرتهم على تحطيم بعضهم البعض والكشف عن عورات بعضهم البعض. لا نسعد أحيانا عندما نسمع خطابا خارج هذا الإطار المتوازن غير الطبيعي، مما يدل أن الخلل بلغ إلى عمق النظام القيمي المتحكم في توازننا العقلي والاجتماعي والسياسي، وعليه لم يعد أمامنا من حلّ سوى أن نطرح المشكلة على هذا المستوى، أي كيف نغير من إدراكنا للواقع ولأبعاد وكيف نصحح هذا الخلل الذي تشكل عبر عقود من الزمن كرسته عدة خطابات اعتقدنا أنها هي التي ينبغي أن تسود وعملنا على تشجيعها بكل الوسائل
ولعل هذا ما يجعلنا نفسر لِمَ استطاعت بعض المجتمعات التي كانت تبدو بدائية من بناء حضارة أو القيام بثورات على الواقع الذي تعيشه، وعجزت أخرى يبدو في الظاهر أن لديها إمكانيات أكبر للتقدم.

إن المجتمعات التي استطاعت أن تستعيد مكانتها بسرعة أو تعيد بناءها من غير تردد هي تلك التي لم يكن مطروحا على مستواها الاجتماعي خلل في التوازن القيمي أو تمكنت بفضل قدرتها العالية على التكيف أو انعزالها أحيانا من استعادة التوازن في هذا المستوى بالسرعة اللازمة.

أما المجتمعات التي طالت وستطول فيها حالة التخلف وحالة الصراع حول الحاضر وحول الماضي هي التي خلاف ذلك لم تتمكن من استعادة هذا التوازن أو مُنعت من ذلك.

والحال الثانية هي التي تنطبق على مجتمعنا: إذ رغم ما لديه من منظومة قيم متماسكة ومتوازنة تم تسخير كافة الوسائل لكي يتحقق بها الاضطراب بعد الاضطراب لتسقط في متاهة البحث عن الذات ثم سب الذات ثم نكران الذات ففقدانها، وهي المرحلة الأخيرة التي تنحط فيها القيم ولا تُصبح هناك أية إمكانية لاستعادته.

ولعل هذا ما يتوقع ويعمل البعض على أن نصل إليه من خلال اعتماد أكثر من أسلوب أو أكثر من وسيلة تبدو لنا في الكثير من الأحيان محايدة. كالتعليم والإعلام والثقافة والاستهلاك وتكريس ثقافة الغايات تبرر الوسائل .